فصل: قال ابن جزي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال النسفي:

سورة الضحى:
مكية.
وهي إحدى عشرة آية.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
{والضحى}
المراد وقت الضحى وهو صدر النهار حين ترتفع الشمس.
وإنما خص وقت الضحى بالقسم لأنها الساعة التي كلم الله فيها موسى عليه السلام وألقى فيها السحرة سجدًّا، أو النهار كله لمقابلته بالليل في قوله: {واليل إِذَا سجى} سكن، والمراد سكون الناس والأصوات فيه، وجواب القسم {مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قلى} ما تركك منذ اختارك وما أبغضك منذ أحبك والتوديع مبالغة في الودع، لأن من ودعك مفارقاً فقد بالغ في تركك، روي أن الوحي تأخر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أياماً فقال المشركون: إن محمداً ودعه ربه وقلاه، فنزلت.
وحذف الضمير من {قلى} كحذفه من الذاكرات في قوله: {والذاكرين الله كَثِيراً والذاكرات} [الأحزاب: 35]، يريد والذاكراته ونحوه: {فآوى}، {فهدى}، {فأغنى} وهو اختصار لفظي لظهور المحذوف {وَلَلآخِرَةُ خَيْرٌ لَّكَ مِنَ الأولى} أي ما أعد الله لك في الآخرة من المقام المحمود والحوض المورود والخير الموعود خير مما أعجبك في الدنيا، وقيل: وجه اتصاله بما قبله أنه لما كان في ضمن نفي التوديع والقلى أن الله مواصلك بالوحي إليك وأنك حبيب الله، ولا ترى كرامة أعظم من ذلك، أخبره أن حاله في الآخرة أعظم من ذلك لتقدمه على الأنبياء وشهادة أمته على الأمم وغير ذلك.
{ولسوف يُعْطِيكَ رَبُّكَ} في الآخرة من الثواب ومقام الشفاعة وغير ذلك {فترضى} ولما نزلت قال صلى الله عليه وسلم: «إذا لا أرضى قط وواحد من أمتي في النار» واللام الداخلة على (سوف) لام الابتداء المؤكدة لمضمون الجملة، والمبتدأ محذوف تقديره: ولأنت سوف يعطيك، ونحوه لأقسم فيمن قرأ كذلك لأن المعنى لأنا أقسم، وهذا لأنها إن كانت لام قسم فلامه لا تدخل على المضارع إلا مع نون التوكيد فتعين أن تكون لام الابتداء، ولامه لا تدخل إلا على المبتدأ والخبر فلابد من تقدير مبتدأ وخبر كما ذكرنا، كذا ذكره صاحب الكشاف.
وذكر صاحب الكشاف هي لام القسم، واستغنى عن نون التوكيد لأن النون إنما تدخل ليؤذن أن اللام لام القسم لا لام الابتداء، وقد علم أنه ليس للابتداء لدخولها على (سوف) لأن لام الابتداء لا تدخل على (سوف)، وذكر أن الجمع بين حرفي التأكيد والتأخير يؤذن بأن العطاء كائن لا محالة وإن تأخر.
ثم عدد عليه نعمه من أول حاله ليقيس المترقب من فضل الله على ما سلف منه لئلا يتوقع إلا الحسنى وزيادة الخير، ولا يضيق صدره ولا يقل صبره فقال: {أَلَمْ يَجِدْكَ يتيماً} وهو من الوجود الذي بمعنى العلم والمنصوبان مفعولاه، والمعنى ألم تكن يتيماً حين مات أبواك {فآوى} أي فآواك إلى عمك أبي طالب وضمك إليه حتى كفلك ورباك {وَوَجَدَكَ ضالا} أي غير عالم ولا واقف على معالم النبوة وأحكام الشريعة وما طريقة السمع {فهدى} فعرفك الشرائع والقرآن.
وقيل: ضل في طريق الشام حين خرج به أبو طالب فرده إلى القافلة.
ولا يجوز أن يفهم به عدول عن حق ووقوع في غي فقد كان عليه الصلاة السلام من أول حاله إلى نزول الوحي عليه معصوماً من عبادة الأوثان وقاذورات أهل الفسق والعصيان {وَوَجَدَكَ عائلا} فقيراً {فأغنى} فأغناك بمال خديجة أو بمال أفاء عليك من الغنائم {فَأَمَّا اليتيم فَلاَ تقهر} فلا تغلبه على ماله وحقه لضعفه {وَأَمَّا السائل فَلاَ تنهر} فلا تزجره فابذل قليلاً أو رد جميلاً.
وعن السدي: المراد طالب العلم إذا جاءك فلا تنهره {وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبّكَ فحدث} أي حدث بالنبوة التي آتاك الله وهي أجل النعم، والصحيح أنها تعم جميع نعم الله عليه ويدخل تحته تعليم القرآن والشرائع والله أعلم. اهـ.

.قال ابن جزي:

سورة الضحى:
{والضحى}
ذكر في {الشمس وضحاها} {والليل إِذَا سجى} فيه أربعة أقوال: إذ أقبل، وإذا أدبر، وإذا أظلم، وإذا سكن أي استقر واستوى، أو سكن فيه الناس والأصوات، ومنه: ليلة ساجية إذا كانت ساكنة الريح، وطرف ساج أو ساكن غير مضطرب النظر. وهذا أقرب في الاشتقاق وهو اختيار ابن عطية {مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قلى} بتشديد الدال من الوداع وقرئ بتخفيفها بمعنى: ما تركك والوداع مبالغة في الترك {وَمَا قلى} أي ما أبغضك، وحذف ضمير المفعول من {قلى} وآوى وهدى وأغنى اختصاراً، لظهور المعنى ولموافقة رؤوس الآي.
وسبب الآية أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أبطأ عليه الوحي، فقالت قريش: إن محمداً ودعه ربه وقلاه، فنزلت الآية تكذيباً لهم وقيل: رمي عليه الصلاة والسلام بحجر في أصبعه فدميت فمكث ليلتين أو ثلاثاً لا يقوم، فقالت امرأة: ما أرى شيطان محمد إلا قد تركه فنزلت الآية: {وَلَلآخِرَةُ خَيْرٌ لَّكَ مِنَ الأولى} أي الدار الآخرة خير لك من الدنيا، قال ابن عطية: ويحتمل أن يريد بالآخرة حاله بعد نزول هذه السورة، ويريد بـ: {الأولى} حالة نزولها، وهذا بعيد والأول أظهر وأشهر.
{ولسوف يُعْطِيكَ رَبُّكَ فترضى} روي «أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لما نزلت إذاً لا أرضي أن يبقى وأحد من أمتي في النار» قال بعضهم: هذه أرجى آية في القرآن، وقال ابن عباس: رضاه أن الله وعده بألف قصر في الجنة بما يحتاج إليه من النعم والخدم وقيل: رضاه في الدنيا بفتح مكة وغيره. والصحيح أنه وعد يعمُّ كل ما أعطاه الله في الآخرة، وكل ما أعطاه في الدنيا من النصر والفتوح وكثرة المسلمين وغير ذلك {أَلَمْ يَجِدْكَ يتيماً فآوى} عدد الله نعمه عليه فيما مضى من عمره، ليقيس عليه ما يستقبل فتطيب نفسه، ويقوي رجاؤه ووجد في هذه المواضع تتعدى إلى مفعولين وهي بمعنى علم؛ فالمعنى ألم تكن يتيماً فآواك. وذلك أن والده عليه السلام توفي وتركه في بطن أمه، ثم ماتت أمه وهو ابن خمسة أعوام، وقيل: ثمانية فكفله جدّه عبد المطلب، ثم مات وتركه ابن اثني عشر عاماً فكفله عمه أبو طالب،.
وقيل لجعفر الصادق: لم نشأ النبي صلى الله عليه وسلم يتيماً؟ فقال: لئلا يكون عليه حق لمخلوق.
{وَوَجَدَكَ ضالا فهدى} فيه ستة أقوال:
أحدها: {وجدك ضالا} عن معرفة الشريعة فهداك إليها، فالضلال عبارة عن التوقيف في أمر الدين حتى جاءه الحق من عند الله، فهو كقوله: {مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الكتاب وَلاَ الإيمان} [الشورى: 52] وهذا هو الأظهر وهو الذي اختاره ابن عطية وغيره ومعناه أنه لم يكن يعرف تفصيل الشريعة وفروعها حتى بعثه الله، ولكنه ما كفر بالله ولا أشرك به لأنه كان معصوماً من ذلك من قبل النبوة وبعدها.
والثاني: وجدك في قوم ضلاّل، فكأنك وأحد منهم، وإن لم تكن تعبد ما يعبدون، وهذا قريب من الأول.
والثالث: {وجدك ضالا} عن الهجرة فهداك إليها، وهذا ضعيف، لأن السورة نزلت قبل الهجرة، الرابع: وجد حامل الذكر لا تعرف فهدى الناس إليك وهداهم بك، وهذا بعيد عن المعنى المقصود. الخامس: أنه من الضلال عن الطريق، وذلك أنه صلى الله عليه وسلم ضلّ في بعض شعب مكة، وهو صغير فردّه الله إلى جده، وقيل: بل ضلّ من مرضعته حليمة فرده الله إليها، وقيل: بل ضل في طريق الشام حين خرج إليها مع أبي طالب. السادس: أنه بمعنى الضلال من المحبة أي وجدك محباً لله فهداك إليه ومنه قول إخوة يوسف لأبيهم، {تالله إِنَّكَ لَفِي ضَلاَلِكَ القديم} [يوسف: 95] محبتك ليوسف، وبهذا كان يقول شيخنا الأستاذ أبو جعفر بن الزبير.
{وَوَجَدَكَ عائلا فأغنى} العائل: الفقير يقال: عال الرجل فهو عائل إذا كان محتاجاً، وأعال فهو معيل إذا كثر عياله وهذا الفقر والغنى هو في المال، وغناؤه صلى الله عليه وسلم هو أن أعطاه الله الكفاف، وقيل: هو رضاه بما أعطاه الله، وقيل: المعنى وجدك فقيراً إليه فأغناك به {فَأَمَّا اليتيم فَلاَ تقهر} أي لا تغلبه على ماله وحقه لأجل ضعفه أو لا تقهره بالمنع من مصالحه ووجوه القهر كثيرة والنهي يعمّ جميعها {وَأَمَّا السائل فَلاَ تنهر} النهر هو الانتهار والزجر،
والنهي عنه أمر بالقول الحسن والدعاء للسائل كما قال تعالى: {فَقُل لَّهُمْ قولاً مَّيْسُوراً} [الإسراء: 28] ويحتمل السائل أن يريد به سائل الطعام والمال، وهذا هو الأظهر والسائل عن العلم والدين. وفي قوله تقهر وتنهر لزوم ما لا يلزم من التزام الهاء قبل الراء.
{وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فحدث} قيل: معناه بثّ القرآن وبلغ الرسالة والصحيح أنه عموم جميع النعم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «التحدث بالنعم شكر» ولذلك كان بعض السلف يقول: لقد أعطاني الله كذا ولقد صليت البارحة كذا، وهذا إنما يجوز إذا كان على وجه الشكر أو ليقتدى به، فأما على وجه الفخر والرياء فلا يجوز، وانظر كيف ذكر الله في هذه السورة ثلاث نعم، ثم ذكر في مقابلتها ثلاث وصايا فقابل قوله: {أَلَمْ يَجِدْكَ يتيماً} بقوله: {فَأَمَّا اليتيم فَلاَ تقهر}، وقابل قوله: {وَوَجَدَكَ ضالا} بقوله: {وَأَمَّا السائل فَلاَ تنهر}، على قول من قال إنه السائل عن العلم وقابله بقوله: {وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فحدث} على القول الآخر، وقابل: قوله: {وَوَجَدَكَ عائلا فأغنى} بقوله: {وَأَمَّا السائل فَلاَ تنهر} على القول الأظهر، وقابله: {وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فحدث} على القول الآخر. اهـ.

.قال البيضاوي:

سورة الضحى:
مكية.
وآيها إحدى عشرة آية.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
{والضحى}
ووقت ارتفاع الشمس وتخصيصه لأن النهار يقوى فيه، أو لأن فيه كلم موسى عليه الصلاة والسلام ربه وألقى السحرة سجدًّا، أو النهار ويؤيده قوله تعالى: {أَن يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى} في مقابلة {بَيَاتًا} {واليل إِذَا سجى} سكن أهله أو ركد ظلامه من سجا البحر سجواً إذا سكنت أمواجه، وتقديم {اليل} في السورة المتقدمة باعتبار الأصل، وتقديم النهار ها هنا باعتبار الشرف.
{مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ} ما قطعك قطع المودع، وقرئ بالتخفيف بمعنى ما تركك وهو جواب القسم.
{وَمَا قلى} وما أبغضك، وحذف المفعول استغناء بذكره من قبل ومراعاة للفواصل.
روي أن الوحي تأخر عنه أياماً لتركه الاستثناء كما مر في سورة (الكهف)، أو لزجره سائلاً ملحاً، أو لأن جرواً ميتاً كان تحت سريره أو لغيره فقال المشركون: إن محمداً ودعه ربه وقلاه فنزلت رداً عليهم.
{وَلَلآخِرَةُ خَيْرٌ لَّكَ مِنَ الأولى} فإنها باقية خالصة عن الشوائب وهذه فانية مشوبة بالمضار، كأنه لما بين أنه سبحانه وتعالى لا يزال يواصله بالوحي والكرامة في الدنيا وعد له ما هو أعلى وأجل من ذلك في الآخرة، أو لنهاية أمرك خير من بدايته، فإنه صلى الله عليه وسلم لا يزال يتصاعد في الرفعة والكمال.
{ولسوف يُعْطِيكَ رَبُّكَ فترضى} وعد شامل لما أعطاه من كمال النفس وظهور الأمر وإعلاء الدين، ولما ادخر له مما لا يعرف كنهه سواء، واللام للابتلاء دخل الخبر بعد حذف المبتدأ والتقدير: ولأنت سوف يعطيك لا للقسم فإنها لا تدخل على المضارع إلا مع النون المؤكدة، وجمعها مع سوف للدلالة على أن الإِعطاء كائن لا محالة وإن تأخر لحكمه.
{أَلَمْ يَجِدْكَ يتيماً فآوى} تعديد لما أنعم عليه تنبيهاً على أنه كما أحسن إليه فيما مضى يحسن إليه فيما يستقبل وأن تأخر. و{يَجِدْكَ} من الوجود بمعنى العلم و{يتيماً} مفعولك الثاني أو المصادقة و{يتيماً} حال.
{وَوَجَدَكَ ضالا} عن علم الحكم والأحكام.
{فهدى} فعلمك بالوحي والإِلهام والتوفيق للنظر. وقيل {وجدك ضالا} في الطريق حين خرج بك أبو طالب إلى الشام أو حين فطمتك حليمة وجاءت بك لتردك إلى جدك، فأزال ضلالك عن عمك أو جدك.
{وَوَجَدَكَ عائلا} فقيراً ذا عيال.
{فأغنى} بما حصل لك من ربح التجارة.
{فَأَمَّا اليتيم فَلاَ تقهر} فلا تغلبه على ماله لضعفه.
وقرئ {فلا تكهر} أي فلا تعبس في وجهه.
{وَأَمَّا السائل فَلاَ تنهر} فلا تزجره.
{وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبّكَ فحدث} فإن التحدث بها شكرها. وقيل المراد بالنعمة النبوة والتحديث بها تبليغها.
عن النبي صلى الله عليه وسلم: «من قرأ سورة والضحى جعله الله سبحانه وتعالى فيمن يرضى لمحمد صلى الله عليه وسلم أن يشفع له وعشر حسنات، يكتبها الله سبحانه وتعالى بعدد كل يتيم وسائل». اهـ.